سورة النساء - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


قوله تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} اختلفوا في هؤلاء السفهاء فقال قوم: هم النساء، وقال الضحاك: النساء من أسفه السفهاء، وقال مجاهد: نهى الرجال أن يُؤتوا النساء أموالهم وهنّ سفهاء، مَنْ كُنّ، أزواجا أو بناتٍ أو أمهاتٍ، وقال آخرون: هم الأولاد، قال الزهري: يقول لا تعطِ ولدَك السفيه مالك الذي هو قيامك بعد الله تعالى فيفسده، وقال بعضهم: هم النساء والصبيان، وقال الحسن: هي امرأتك السفيهة وابنك السفيه، وقال ابن عباس: لا تعمد إلى مالك الذي خولك الله وجعله لك معيشة فتعطيه امرأتك أو بنيك فيكونوا هم الذين يقومون عليك، ثم تنظر إلى ما في أيديهم، ولكن أمسك مالك وأصلحه وكن أنت الذي تنفق عليهم في رزقهم ومَؤنتهم، قال الكلبي: إذا علم الرجل أنّ امرأته سفيهة مفسدة وأن ولده سفيه مفسد فلا ينبغي أن يسلط واحدًا منهما على ماله فيفسده. وقال سعيد بن جبير وعكرمة: هو مال اليتيم يكون عندك، يقول لا تؤته إيّاه وأنفق عليه حتى يبلغ، وإنّما أضاف إلى الأولياء فقال: {أَمْوَالَكُم} لأنهم قوامها ومدبروها.
والسفيه الذي لا يجوز لوليه أن يؤتيه ماله هو المستحق للحَجْرِ عليه، وهو أن يكون مبذرًا في ماله أو مفسدا في دينه، فقال جل ذكره: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ} أي: الجهال بموضع الحق أموالكم التي جعل الله لكم قياما.
قرأ نافع وابن عامر {قِيَامًا} بلا ألف، وقرأ الآخرون {قِيَامًا} وأصله: قواما، فانقلبت الواو ياءً لانكسار ما قبلها، وهو ملاك الأمر وما يقوم به الأمر. وأراد هاهنا قِوام عيشكم الذي تعشيون به. قال الضحاك: به يقام الحج والجهاد وأعمال البِّر وبه فكاك الرقاب من النار.
{وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا} أي: أطعموهم، {وَاكْسُوهُمْ} لمن يجب عليكم رزقه ومؤنته، وإنما قال: {فِيهَا} يقل: منها، لأنه أراد: اجعلوا لهم فيها رزقا فإن الرزق من الله: العطيةُ من غير حدٍّ، ومن العباد أجراء موقتٌ محدود. {وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا} عِدَة جميلة، وقال عطاء: إذا ربحتُ أعطيتُك وإن غنمتُ جعلتُ لك حظًا، وقيل: هو الدعاء، وقال ابن زيد: إن لم يكن ممن تجب عليكم نفقته، فقل له: عافاك الله وإيّانا، بارك الله فيك، وقيل: قولا لينا تطيبُ به أنفسُهم.


قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} الآية نزلت في ثابت بن رفاعة وفي عمه، وذلك أن رفاعة توفي وترك. ابنه ثابتا وهو صغير، فجاء عمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إن ابن أخي يتيم في حجري، فما يحل لي من ماله ومتى أدفع إليه ماله؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} اختبروهم في عقولهم وأديانهم وحفظهم أموالَهم، {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} أي: مبلغ الرجال والنساء، {فَإِنْ آنَسْتُم} أبصرتم، {مِنْهُمْ رُشْدًا} فقال المفسرون يعني: عقلا وصلاحًا في الدين وحفظًا للمال وعلمًا بما يصلحه. وقال سعيد بن جبير ومجاهد والشعبي: لا يدفع إليه ماله وإن كان شيخا حتى يؤنس منه رشده.
والابتلاء يختلف باختلاف أحوالهم فإن كان ممن يتصرف في السوق فيدفع الولي إليه شيئًا يسيرا من المال وينظر في تصرفه وإن كان ممن لا يتصرف في السوق فيتخبره في نفقة داره، والإنفاق على عبيده وأُجرائه، وتختبر المرأة في أمر بيتها وحفظ متاعها وغزلها واستغزالها، فإذا رأى حسن تدبيره، وتصرفه في الأمور مرارًا يغلب على القلب رشده، دفعَ المالَ إليه.
واعلم أن الله تعالى علق زوال الحَجْرِ عن الصغير وجواز دفع المال إليه بشيئين: بالبلوغ والرَّشد، فالبلوغ يكون بأحد {أشياء أربعة}، اثنان يشترك فيهما الرجال والنساء، واثنان تختصان بالنساء: فما يشترك فيه الرجال والنساء أحدهما السن، والثاني الاحتلام، أما السن فإذا استكمل المولود خمس عشرة سنة حكم ببلوغه غلامًا كان أو جارية، لما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال، أنا أبو العباس الأصم، أنا الربيع، أنا الشافعي، أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: عُرضْتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة، فردَّني، ثم عُرضتَ عليه عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني، قال نافع: فحدثتُ بهذا الحديث عمر بن عبد العزيز، فقال: هذا فرق بين المقاتلة والذريّة، وكتب أن يفرض لابن خمس عشرة سنة في المقاتلة، ومن لم يبلغها في الذرية. وهذا قول أكثر أهل العلم.
وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: بلوغ الجارية باستكمال سبع عشرة، وبلوغ الغلام باستكمال ثماني عشرة سنة.
وأما الاحتلام فنعني به نزول المني سواء كان بالاحتلام أو بالجماع، أو غيرهما، فإذا وجدت ذلك بعد استكمال تسع سنين من أيهما كان حُكم ببلوغه، لقوله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الأطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ في الجزية حين بعثه إلى اليمن: «خُذْ من كل حالم دينارا».
وإما الإنبات، وهو نبات الشعر الخشن حول الفرج: فهو بلوغ في أولاد المشركين، لما روي عن عطية القرظي قال: كنت من سبي قريظة، فكانوا ينظرون فمن أنبت الشعر قتل، ومن لم ينبت لم يقتل، فكنت ممن لم ينبت.
وهل يكون ذلك بلوغًا في أولاد المسلمين؟ فيه قولان، أحدهما: يكون بلوغًا كما في أولاد الكفار، والثاني: لا يكون بلوغا لأنه يمكن الوقوف على مواليد المسلمين بالرجوع إلى آبائهم، وفي الكفار لا يوقف على مواليدهم، ولا يقبل قول آبائهم فيه لكفرهم، فجعل الإنبات الذي هو أمارة البلوغ بلوغًا في حقهم.
وأما ما يختص بالنساء: فالحيض والحَبَل، فإذا حاضت المرأة بعد استكمال تسع سنين يُحكم ببلوغها، وكذلك إذا ولدت يُحكم ببلوغها قبل الوضع بستة أشهر لأنها أقل مدة الحمل.
وأما الرشد: فهو أن يكون مصلحًا في دينه وماله، فالصلاح في الدين هو أن يكون مجتنبًا عن الفواحش والمعاصي التي تسقط العدالة، والصلاح في المال هو أن لا يكون مبذرًا، والتبذير: هو أن ينفق ماله فيما لا يكون فيه محمدة دنيويّة ولا مثوبة أخرويّة، أو لا يُحسنُ التصرفَ فيها، فيغبن في البيوع فإذا بلغ الصبي وهو مفسد في دينه وغير مصلح لماله، دام الحجر عليه، ولا يدفع إليه ماله ولا ينفذ تصرفه.
وعند أبي حنيفة رضي الله عنه إذا كان مصلحًا لماله زال الحجر عنه وإن كان مفسدا في دنيه، وإذا كان مفسدا لماله قال: لا يدفع إليه المال حتى يبلغ خمسًا وعشرين سنة، غير أن تصرّفه يكون نافذًا قبله. والقرآن حجة لمن استدام الحجر عليه، لأن الله تعالى قال: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} أمر بدفع المال إليهم بعد البلوغ وإيناس الرشد، والفاسق لا يكون رشيدًا وبعد بلوغه خمسًا وعشرين سنة، وهو مفسد لماله بالاتفاق غير رشيد، فوجب أن لا يجوز دفع المال إليه كما قبل بلوغ هذا السن.
وإذا بلغ وأونس منه الرشد، زال الحجر عنه، ودفع إليه المال رجلا كان أو امرأة تزوج أو لم يتزوج.
وعند مالك رحمه الله تعالى: إن كانت امرأة لا يدفع المال إليها ما لم تتزوج، فإذا تزوجت دفع إليها، ولكن لا ينفذ تصرفها إلا بإذن الزوج، ما لم تكبر وتُجرَّب.
فإذا بلغ الصبي رشيدًا وزال الحجر عنه ثم عاد سفيهًا، نظر: فإن عاد مبذرًا لماله حجر عليه، وإن عاد مفسدًا في دينه فعلى وجهين: أحدهما: يعاد الحجر عليه كما يستدام الحجر عليه إذا بلغ بهذه الصفة، والثاني: لا يعاد لأن حكم الدوام أقوى من حكم الابتداء.
وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى: لا حجر على الحر العاقل البالغ بحال، والدليل على إثبات الحجر من اتفاق الصحابة رضي الله عنهم ما روي عن هشام بن عروة عن أبيه أن عبد الله بن جعفر ابتاع أرضا سبخة بستين ألف درهم، فقال علي: لآتين عثمان فلأحجرن عليك فأتى ابن جعفر الزبير فأعلمه بذلك فقال الزبير: أنا شريكك في بيعتك، فأتى علي عثمان وقال: احجر على هذا، فقال الزبير: أنا شريكه، فقال عثمان: كيف أحجر على رجل في بيع شريكه فيه الزبير، فكان ذلك اتفاقا منهم على جواز الحجر حتى احتال الزبير في دفعه.
قوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوهَا} يا معشر الأولياء {إِسْرَافًا} بغير حق، {وَبِدَارًا} أي مبادرة {أَنْ يَكْبَرُوا} {أَن} في محل النصب، يعني: لا تبادروا كبرهم ورشدهم حذرًا من أن يبلغوا فيلزمكم تسليمها إليهم، ثم بين ما يحل لهم من مالهم فقال: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ} أي ليمتنع من مال اليتيم فلا يرزأه قليلا ولا كثيرًا، والعفة: الامتناع مما لا يحل {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا} محتاجا إلى مال اليتيم وهو يحفظه ويتعهده فليأكل بالمعروف.
أخبرنا محمد بن الحسن المروزي، أخبرنا أبو سهل محمد بن عمر السجزي، أخبرنا الإمام أبو سليمان الخطابي، أخبرنا أبو بكر بن داسة التمار، أخبرنا أبو داؤد السجستاني، أخبرنا حميد بن مسعدة، أن خالد بن الحارث حدثهم أخبرنا حسين يعني المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني فقير وليس لي شيء ولي يتيمٌ؟ فقال: «كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبادر ولا متأثل».
واختلفوا في أنه هل يلزمه القضاء؟ فذهب بعضهم إلى أنه يقضي إذا أيسر، وهو المراد من قوله: {فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} فالمعروف القرض، أي: يستقرض من مال اليتيم إذا احتاج إليه، فإذا أيسر قضاه، وهو قول مجاهد وسعيد بن جبير، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إني أنزلت نفسي من مال الله تعالى بمنزلة مال اليتيم: إن استغنيت استعففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف، فإذا أيسرتُ قضيتُ.
وقال الشعبي: لا يأكله إلا أن يضطر إليه كما يضطر إلى الميتة.
وقال قوم: لا قضاء عليه.
ثم اختلفوا في كيفية هذا الأكل بالمعروف، فقال عطاء وعكرمة: يأكل بأطراف أصابعه، ولا يسرف ولا يكتسي منه، ولا يلبس الكتان ولا الحُلل، ولكن ما سد الجوعة ووَارَى العورة.
وقال الحسن وجماعة: يأكل من ثمر نخيله ولبن مواشيه بالمعروف ولا قضاء عليه، فأما الذهب والفضة فلا؛ فإن أخذ شيئا منه رده.
وقال الكلبي: المعروف ركوب الدابة وخدمة الخادم، وليس له أن يأكل من ماله شيئا.
أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أنا أبو إسحاق الهاشمي، أنا أبو مصعب، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه قال سمعت القاسم بن محمد يقول: جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن لي يتيما وإن له إبلا أفأشرب من لبن إبله؟ فقال: إن كنت تبغي ضالة إبله وتَهْنَأ جرباها وتليطُ حوضها وتسقيها يوم وردها فاشرب غير مُضرٍ بنسلٍ ولا ناهكٍ في الحلْبِ.
وقال بعضهم: والمعروف أن يأخذ من جميع ماله بقدر قيامه وأجرة عمله، ولا قضاء عليه، وهو قول عائشة وجماعة من أهل العلم.
قوله تعالى: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} هذا أمر إرشاد، ليس بواجب، أمر الولي بالإشهاد على دفع المال إلى اليتيم بعدما بلغ لتزول عنه التهمة وتنقطع الخصومة، {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} محاسبا ومجازيا وشاهدا.


قوله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ} الآية، نزلت في أوس بن ثابت الأنصاري، توفي وترك امرأة يقال لها أم كُجّة وثلاث بنات له منها. فقام رجلان هما ابنا عم الميت ووَصِيّاه سويدٌ وعَرْفَجة، فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته ولا بناته شيئا، وكانوا في الجاهلية لا يورِّثون النساء ولا الصغار، وإن كان الصغير ذكرًا وإنما كانوا يورِّثون الرجال، ويقولون: لا نعطي إلا من قاتل وحاز الغنيمة، فجاءت أم كُجّة فقالت: يا رسول الله إن أوس بن ثابت مات وترك عليّ بنات وأنا امرأته، وليس عندي ما أنفق عليهن، وقد ترك أبوهن مالا حسنًا، وهو عند سويد وعرفجة، ولم يعطياني ولا بناتي شيئا وهنَّ في حِجْري، لا يطعمن ولا يسقين، فدعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا يا رسول الله ولدها لا يركب فرسًا ولا يحمل كلا ولا يَنْكَأَ عدوًا، فأنزل الله عز وجل، {لِلرِّجَال} يعني: للذكور من أولاد الميت وأقربائه {نَصِيبٌ} حظ {مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ} من الميراث، {وَلِلنِّسَاء} للإناث منهم، {نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ} أي: من المال، {أَوْ كَثُرَ} منه {نَصِيبًا مَفْرُوضًا} نصب على القطع، وقيل: جعل ذلك نصيبًا فأثبت لهنّ الميراث، ولم يبين كم هو، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سُويد وعرفجة لا تفرقا من مال أوس بن ثابت شيئًا، فإن الله تعالى جعل لبناته نصيبا مما ترك، ولم يبين كم هو حتى أنظر ما ينزل فيهن، فأنزل الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} فلما نزلت أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سويد وعرفجة أن ادفع إلى أم كُجّة الثُّمن مما رك وإلى بناته الثلثين، ولكما باقي المال.
قوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} يعني: قسمةَ المواريث، {أُولُو الْقُرْبَى} الذين لا يرثُون، {وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} أي: فارضخوا لهم من المال قبل القسمة، {وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا}.
اختلف العلماء في حكم هذه الآية، فقال قوم: هي منسوخة، وقال سعيد بن المسيب والضحاك: كانت هذه قبل آية الميراث، فلما نزلت آية الميراث جعلت المواريث لأهلها، ونسخت هذه الآية.
وقال الآخرون: هي محكمة، وهو قول ابن عباس والشعبي والنخعي والزهري، وقال مجاهد: هي واجبة على أهل الميراث ما طابت به أنفسهم.
وقال الحسن: كانوا يعطون التابوت والأواني ورثَّ الثياب والمتاع والشيء الذي يستحيا من قسمته.
وإن كان بعض الورثة طفلا فقد اختلفوا فيه، فقال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: إن كانت الورثة كبارًا رضخوا لهم، وإن كانت صغارًا اعتذروا إليهم، فيقول الولي والوصي: إني لا أملك هذا المال إنما هو للصغار، ولو كان لي منه شيء لأعطيتُكم، وإن يكبروا فسيعرفون حقوقك، هذا هو القول بالمعروف.
وقال بعضهم: ذلك حق واجب في أموال الصغار والكبار، فإن كانوا كبارًا تولوا إعطاءهم، وإن كانوا صغارا أعطى وليهم. روى محمد بن سيرين أن عبيدة السلماني قسم أموال أيتام فأمر بشاة فذبحت فصنع طعاما لأهل هذه الآية، وقال: لولا هذه الآية لكان هذا من مالي.
وقال قتادة عن يحيى بن يعمر: ثلاث آيات محكمات مدنيات تركهن الناس، هذه الآية وآية الاستئذان: {يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذي ملكت أيمانكم} [النور- 58] الآية، وقوله تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى} [الحجرات- 13] الآية.
وقال بعضهم- وهو أولى الأقاويل-: إن هذا على الندب والاستحباب، لا على الحتم والإيجاب.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8